إحياء الملاكمة- استثمارات السعودية تعيد أمجاد الحقبة الذهبية

بفضل الاستثمارات السعودية الضخمة، تستعيد الملاكمة وهجها ومكانتها المرموقة التي كانت تتمتع بها في العصر الذهبي لمنظم النزالات الأسطوري دون كينغ، وفقًا لتصريح مسؤول رفيع المستوى في إحدى أهم الهيئات العالمية المعنية بهذه الرياضة.
صرّح ماوريسيو سليمان، رئيس المجلس العالمي للملاكمة (WBC)، خلال لقاء صحفي من العاصمة الرياض: "تشهد المملكة تقديم أعلى المكافآت المالية في عالم الملاكمة، وهذا الأمر قائم منذ عامين". وأضاف قائلاً: "إن المشهد الحالي يذكرنا بتلك الحقبة التي بلغت فيها الملاكمة ذروتها في لاس فيغاس؛ فالمملكة العربية السعودية تعمل على إحياء أمجاد حقبة دون كينغ"، في إشارة واضحة إلى الشخصية البارزة التي قدمت أسماء لامعة في تاريخ الملاكمة مثل الأسطورتين محمد علي كلاي وجورج فورمان.
بقيادة تركي آل الشيخ، المستشار في الديوان الملكي ورئيس الهيئة العامة للترفيه، قامت المملكة العربية السعودية بإنفاق مبالغ طائلة تقدر بملايين الدولارات خلال العامين الماضيين، وذلك بهدف استضافة نزالات ضمت نخبة من نجوم الملاكمة العالميين، بما في ذلك المباراتين التاريخيتين اللتين جمعتا بين العملاقين تايسون فيوري وأولكسندر أوسيك في عام 2024، والتي تجاوز مجموع جوائزهما المالية حاجز الـ 100 مليون دولار أمريكي.
المواجهة الأولى، التي أُطلق عليها اسم "حلبة النار"، والتي أُقيمت ضمن فعاليات "موسم الرياض" المبهجة، بحضور نخبة من الشخصيات البارزة مثل نجم كرة القدم الشهير كريستيانو رونالدو ومغني الراب العالمي إمينيم، حققت رقماً قياسياً بلغ 1.5 مليون مشاهدة عبر نظام الدفع مقابل المشاهدة. وفي المقابل، كانت أبرز المباريات التاريخية التي نظمها دون كينغ هي إعادة النزال الأسطوري بين مايك تايسون وإيفاندر هوليفيلد في عام 1997، والتي حظيت بنحو مليوني مشاهدة.
التحركات السعودية في عالم الملاكمة
تأتي هذه التحركات الرياضية الهامة في ساحة الملاكمة العالمية ضمن استراتيجية شاملة وطموحة يقودها صاحب السمو الملكي ولي العهد الأمير محمد بن سلمان، والتي تهدف إلى تنويع مصادر الاقتصاد الوطني، وتحسين مستوى جودة الحياة للمواطنين والمقيمين، وتعزيز مكانة المملكة وصورتها الإيجابية على الصعيد العالمي، بالإضافة إلى جذب المزيد من السياح والزوار إلى المملكة.
تدعم المملكة العربية السعودية بكل قوة تأسيس شركة جديدة ومتخصصة في تنظيم وترويج فعاليات الملاكمة، وذلك بالتعاون الوثيق مع "تي كيه أو غروب هولدينغز" (TKO Group Holdings) المالكة لشركة "دبليو دبليو إي" (WWE) الشهيرة في مجال المصارعة العالمية الترفيهية، وبطولة القتال النهائي (UFC).
والجدير بالذكر أن المملكة العربية السعودية قد أحدثت ضجة مدوية في عالمي الغولف وكرة القدم، وذلك من خلال إنفاقها السخي لاستقطاب صفوة الرياضيين والنجوم العالميين، ومن المقرر أيضاً أن تستضيف المملكة عدداً كبيراً من الأحداث والفعاليات الرياضية الكبرى خلال العقد القادم، وصولاً إلى استضافة كأس العالم لكرة القدم 2034.
تجدر الإشارة إلى أن ماوريسيو سليمان قد قام بزيارة إلى المملكة العربية السعودية لحضور بطولة الجائزة الكبرى للملاكمة ضمن فعاليات موسم الرياض، والتي ينظمها المجلس العالمي للملاكمة، وهي عبارة عن بطولة متعددة المراحل تمتد على مدار العام. ومن المحتمل أن تمهد هذه الفعالية الطريق نحو تعاون طويل الأمد ومثمر بين المملكة والمجلس، الذي يُعدّ واحداً من أبرز أربع منظمات معنية برياضة الملاكمة على مستوى العالم.
تنظيم بطولات ملاكمة جديدة في السعودية
وفقًا لما ذكره سليمان، فإن الطرفين يبحثان حالياً إمكانية تنظيم بطولات مستقبلية داخل المملكة، والتعاون في إقامة فعاليات جديدة على مستوى العالم، بالإضافة إلى مشروع طموح لإنشاء متحف متخصص في تاريخ الملاكمة. ومع ذلك، فقد أشار إلى أن المحادثات لا تزال في مراحلها الأولية، ولا يمكن التكهن بالنتائج النهائية التي ستسفر عنها.
وأعرب رئيس المجلس عن تفاؤله بأن تسهم الأموال السعودية في توحيد عالم الملاكمة "إذا تم استغلالها بالشكل الأمثل والمناسب".
إلا أنه يرى أن التحدي الأكبر يكمن في أن المنظمين المنافسين في مناطق أخرى حول العالم لن يتمكنوا من مجاراة حجم الجوائز المالية الضخمة التي يتم تقديمها في المملكة العربية السعودية، مما قد يدفعهم إلى البحث عن وسائل مبتكرة لزيادة الإيرادات، سواء من خلال بيع المزيد من التذاكر، أو التعاون فيما بينهم لتأمين اتفاقيات بث ورعاية جديدة على منصات البث الرقمي.
وفي ظل التباطؤ الملحوظ في تدفقات الاستثمارات الأجنبية المباشرة، وتراجع أسعار النفط العالمية، وتسجيل الميزانية العامة للدولة عجزاً مالياً، بدأت الحكومة السعودية في إعادة النظر في أولويات الإنفاق. ومع ذلك، فقد بدا رئيس المجلس العالمي للملاكمة متفائلاً بشأن استمرار الاستثمارات السعودية في هذه الرياضة؛ قائلاً: "حسبما يبدو الآن، فالإجابة هي أنها ستستمر بالتأكيد".